محطات عابر سبيل الثاني

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أحبائي ... نبدأ رحلتنا اليوم من المحطة الثانية من محطات وليد حيث توقفنا في المحطة السابقة
عندما استيقظ وليد على أصوات الصواريخ والمدافع البرية والبحرية ،، استيقظ على أصوات النساء والأطفال ،،الجميع يصرخ .. "هيا إلى الملاجئ "؟

إنها الحرب ... فتحت أفواهها لتأكل كل شيء جميل في تلك المدينة .. إنهم الصهاينة الحاقدون .. جائو ليأخدو أحلام الأطفال وألعابهم ،، ليقتلو الحب والحنان ويزرعو البؤس والحرمان ،،أجل ،، من هنا نبدأ قصة الحرمان التي عاشها طفلنا وليد وعائلته ....بل الكثيرون مثلهم ..



يحرم أطفالنا من منزلهم ليأتي الجيران مسرعين لمساعدة أبو وليد في نقل أطفاله للأقرب ملجأ ،، ملجأٌ ضيقٌ أرضيته من تراب ،، إفترشوا الأرض لينام الأطفال ،، ولكن !! هيهات هيهات أن ينامو تحت أصوات النيران ،، هيهات أن ينامو وهم جياع خائفون .. نعم !! لقد حرموا من الحليب والطعام ..



إحتمل الجميع أصوات النيران والموت القادم ،، ولكن أبت صدور الأمهات أن تحتمل صراخ أطفالهم .. إنتظر الجميع لبضع ساعات حتى بدى أن الحرب هدأت قليلاً ،، قررت أم وليد رغم مرضها وضعفها الذهاب لمنزلها لإحضار الحليب بعد بذلها مجهود كبيراً في إقناع أبو وليد والجميع بأن منزلها أقرب المنازل للملجأ وأنها وحدها من يعلم مكان الحليب وما يحتاجه الصغار ... مما يوفر الوقت على الجميع بإحضاره وعدم المعاناة بالبحث عنه ... سبحان الله انه بالرغم من صعوبه الموقف إلا انك ترى الأم والأب يتصارعا على الموت لإنقاذ أولادهما من الجوع..


تخرج أم وليد مصارعةً الموت رغم مرضها لإحضار الطعام وحليب الأطفال من المنزل .. برفقة زوجها الذي ساعدها بإجتياز الصور وإنتظارها بقربه لحين عودتها ليأخذ منها ما تحمله من غذاء لأطفالها وأطفال الحي ،، تكررت تلك الليلة وتكررت تلك التضحيات



ليلة لم ينساها وليد رغم صغر سنه ،هذه الليلة التي سجن فيها والد وليد والكثيرون معه ،كانت من أطول الليالي ..إنتهت ليبدأ يوم جديد .... يوم استيقظ فيه الجميع على أصوات الصهاينة يُعْلِمون الناس بإنتهاء حظر التجول .. أجل إنهم الصهاينة الذين قتلو الكبير والصغير ، دمروا المساجد والبيوت ، حرقوا المصاحف والمزارع ، سرقوا طعام وضحكات الأطفال .. وتكبروا وتجبروا في أرض غزة تلك المدينة التي تعتبر من أقدم مدن العالم ، وتعتبر بوابة اسيا، بحكم موقعها الجغرافي بين مصر وبلاد الشام من جهة، وبين اسيا وافريقية من جهة أخرى .



خرج الناس بعد رفع حظر التجول كلٌ يبحث عن ضالته ..



يخرج صديقنا وليد باعتباره رجل البيت برفقة والدته للبحث عن والده وليعود بالطعام لإخوانه الصغار .. يراقب ما حوله بنظرات متضاربه ما بين الحزن والغضب والعجز .. لما يرى حوله من مصاحف ممزقة ومحلات مكسورة أقفالها ومسروق ما بداخلها من بضائع ثمينة وما بقي فيها فهو مبعثر على الأرض ولا يصلح للبيع ،، ويزيد المعاناة منظر الجدران والشوارع الممتلئة بالدماء ... ليست دماء حيوانات .. إنها دماء إخواننا وآبائنا وأمهاتنا .. دماءمن وهب نفسه فداءً لغزة هااشم ..



يستمر وليد وأمه بعد كل هذه المشاهد ليبحثوا عن أبو وليد .. وبعد كثرة السؤال عنه يخبرهم أحد الأقرباء أن أبو وليد بالمعتقل مع المئات من الرجال في ساحة مدرسة



كم هو مؤلم منظر شبابنا وشيوخنا،، المجروح منهم والمريض ،، تحيط بهم أسلاكٌ شائكة وأسلحة العدو موجهة صوبهم من كل ناحية ..لا يستطيعون الحراك تحت لهيب الشمس الحارقة .. كلٌ منهم ينتظر قدره ..



أقبل وليد والخوف والرعب يتملكه ليلقا والده ،، وقد سمح للبعض بالدخول بعد تفتيشهم وتفتيش الاكل ...دخل وليد على والده ليراه مبتسماً ، يقول لوليد لا تخف منهم إنهم جبناء ..أنت رجل البيت حتى أعود .. اطمئن وليد لكلام والده وابتسم ....
قائلاً : ستعود يا والدي باذن الله ...





وهنا تنتهي المحطة الثانية ،، التي تجسد فيها معنى الحرمان ،،من محطات صديقنا وليد على أمل أن نتواصل معكم في المحطة الثالثة ..