هكذا علمتني الحياة

هكذا علمتني الحياة

لقد علمتني الحياة أموراً كثيرة من أعظمها : -
أن الإنسان الذي تعرفه وتصاحبه إن لم يكن سخي القلب نقيه ، فإنه أبداً لن يكون سخي اللسان سخي اليدين
فمن عجز عن تطهير قلبه من الشح والبخل ، هيهات له أن يكون كريم اليدين وافر العطاء
والعكس صحيح ، فمن أصلح قلبه ونقى سريرته ، وتدرج في الحصول على مراتب الكمال حتى وصل إلى مبتغاه فإنه يكون جواداً معطاءً يعطي بلا سؤال وينفق بلا حد .
وتأملوا في قول خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم عندما رأى جبريل عليه السلام فرجع إلى خديجة قائلاً : لقد خشيت على نفسي فقالت له :
( كلا والله ، ما يخزيك الله أبدا ، إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق )
خصال عظيمة وصفات جليلة جميلة ، غرسها الله في قلب نبيه ليكون قدوة للسائرين ، به يقتدون ، ومن سيرته ينهلون ، وبنهجه وأخلاقه يتمسكون
وأما من حاد عن هذا الطريق ، ولم يحاول أن يتمثل هذا الأخلاق ، فإنه سيكون بخيل اللسان ، بخيل الجنان ، بخيل الأركان
فلسانه يعجز عن المواساة والسؤال خوفاً من أن يتعلق بسؤاله المضطرون والمحرومون
وقلبه قلب جامد لا يعرف للعطاء طريقا لأن العطاء صفة من صفات الأتقياء الأنقياء وهو لم يجرب النقاء والصفاء فأنى لقلبه أن يتحرك لأنات المصابين وآهات المحزونين ؟
وأما أركانه وجوارحه ، فيداه مغلولتان ، وقدماه عاجزتان عن تحسس يتيم بات جائعاً ، أو فقير لم يجد قوتاً ، أو مسكين لم يجد مأوى
هكذا علمتني الحياة :
( أن العطاء صفة نبيلة جعلها الله للكُمل من الرجال ، وأن الشح والبخل صفة حقيرة اتصف بها أشباه الرجال ؟ )
قال الشاعر :
وتركي مواساة الأخلاء بالذي تنال يدي ظلم لهـم وعقوق
وإني لأستحيي من الله أن أُرى بحال اتساع والصديق مضيق